مأساة الأندلس وموقف العثمانيين
أورخان محمد علي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
هناك أسئلة حائرة تجول في أذهان العديد من المثقفين في العالم العربي حول التاريخ العثماني ومن أهمها سؤال: "لماذا لم تقم الدولة العثمانية بمساعدة مسلمي الأندلس عندما داهمهم الخطر الإسباني الماحق؟ ألم يكن في وسع الدولة العثمانية -وهي في أوج قوتها- الحيلولة دون وقوع تلك المأساة المروعة لمسلمي الأندلس. لنتناول هذا الموضوع بإيجاز.
من المعلوم لدى الجميع أن تفرق المسلمين في الأندلس إلى دول طوائف أضعفهم، وأن العديد من حكام هذه الدول الصغيرة بدؤوا يستعينون بالإسبان ضد الحكام الآخرين من المسلمين، وهكذا بدأت القصة الأليمة لأفول شمس الإسلام من سماء الأندلس. وبينما كان المسلمون غارقين في خضم الفرقة والشتات، خطا الإسبان خطوة مهمة في مضمار الوحدة عندما تزوّج "فرديناند" ملك أراغون من "إيزابيلا" ملكة قشتالة، وأصبح الهم الوحيد للأسبان القضاء على آخر دولة إسلامية في الأندلس وهي دولة بني الأحمر في غرناطة والتي كان يحكمها آنذاك أبو عبد الله محمد وامتدت مدة حكمه عشر سنوات (1482 – 1492م).
العثمانيون والانتصار للأندلس
والحقيقة أنه كان من المتوقع انتهاء حكم مسلمي الأندلس قبل هذا التاريخ بمئات الأعوام لولا المساعدات الخارجية التي كانت تأتيهم من الدول الإسلامية في شمالي أفريقيا. فقد قامت دولة "المرابطين" بنجدتهم ضد "ألفونصو" السادس ملك قشتالة، ثم جاءت مساعدات دولة "الموحدين" بعد ذلك وبقيت أسرة الموحدين في الأندلس حتى انتصار ألفونصو الثامن عليها في معركة "نافاس دي طولوسا".
ولكن الوضع تغير في أواخر عمر دولة بني الأحمر في غرناطة، فلم تكن هناك دول إسلامية قوية في شمالي أفريقيا، بل دول ضعيفة، وفي أحيان كثيرة دول متعاونة مع الإسبان والفرنسيين مثل دولة بني حفص في تونس والمرينيّين في المغرب. كما قام الأسبان بسد مضيق جبل طارق ليمنعوا وصول أي نجدة من مسلمي شمالي أفريقيا إلى الأندلس. فلم يبق أمام مسلمي الأندلس سوى الاستنجاد بأقوى دولتين إسلاميتين آنذاك وهما الدولة العثمانية في آسيا الصغرى، ودولة المماليك في مصر، فأرسلوا وفدا لكل منهما طلبا لنجدتهم.
الوفد الأندلسي في إسطنبول
وصل الوفد الأندلسي إلى "إسطنبول" عاصمة الدولة العثمانية التي كان على رأسها السلطان بايزيد الثاني ابن السلطان محمد الفاتح، وقام رئيس الوفد بتسليم رسالة استغاثة مؤثرة حفظها التاريخ من مسلمي الأندلس إلى السلطان، نُورِد هنا مقدّمتها:
"الحضرة العلية وصل الله سعادتها، وأعلى كلمتها، ومهّد أقطارها، وأعزّ أنصارها، وأذلّ عُداتها. حضرة مولانا وعمدة ديننا ودنيانا، السلطان الملك الناصر، ناصر الدنيا والدين، وسلطان الإسلام والمسلمين، قامع أعداء الله الكافرين، كهف الإسلام، وناصر دين نبينا محمد عليه السلام، مُحيي العدل، ومنصف المظلوم ممن ظلم، ملِك العرب والعجم، والترك والديلم، ظل الله في أرضه، القائم بسنته وفرضه، ملك البرّين، وسلطان البحرين، حامي الذِّمار، وقامع الكفار، مولانا وعمدتنا، وكَهفنا وغيثنا، لا زال ملكه موفور الأنصار، مقرونا بالانتصار، مخلّد المآثر والآثار، مشهور المعالي والفخار، مستأثّرا من الحسنات بما يضاعف الأجر الجزيل، في الدار الآخرة والثناء الجميل، والنصر في هذه الدار، ولا برحت عزماته العليّة مختصة بفضائل الجهاد، ومجردة على أعداء الدين من بأسها، ما يروي صدور السفح والصفاح، وألسنة السلاح بَاذلة نفائس الذخائر في المواطن التي تألف فيها الأخاير مفارقة الأرواح للأجساد، سالكة سبيل الفائزين برضا الله وطاعته يوم يقوم الأشهاد".
وكان هناك مع هذه الرسالة أبيات طويلة من شعر مؤثر للشاعر أبي البقاء صالح بن شريف يصف مأساة المسلمين في الأندلس وغدر الأعداء بهم:
سلام عليكم من عبيد تخلّفوا
بأَندلسٍ بالغرب في أرض غربة
أحاط بهم بحرٌ من الردم زاخر
وبحر عميق ذو ظلام ولجة
سلام عليكم من عبيد أصابهم
مصاب عظيم يا لها من مصيبة
سلام عليكم من شيوخ تمزّقت
شيوخهمُ بالنتف من بعد عزة
سلام عليكم من وجوهٍ تكشفت
على جملة الأعلاج من بعد سُترة
سلام عليكم من بنات عواتِق
يسوقهم اللبّاط قَهرا لخلوة
سلام عليكم من عجائز أُكرهت
على أكل خنـزير ولحم جيفة
وبعد هذه المقدمة المؤثرة تشرح القصيدة غدر الأعداء الإسبان وكيف يقومون بتنصير المسلمين قهرا وجبرا وكيف أن المسلمين جاهدوا ولكنهم قلة أمام جموع الأعداء:
غُدرنا ونُصِّرنا وبُدّل ديننا
ظُلمنا وعوملنا بكل قبيحة
وكنا على دين النبي محمد
نقاتل عمال الصليب بنية
ونلقى أمورًا في الجهاد عظيمة
بقتل وأسر ثم جوع وقلة
فجاءت علينا الروم من كل جانب
بجد وعزم من خيول وعدة
فكنا بطول الدهر نلقى جموعهم
فنقتل فيها فرقة بعد فرقة
وفرسانها تزداد في كل ساعة
وفرساننا في حال نقص وقلة
فلما ضعفنا خيموا في بلادنا
ومالوا علينا بلدة بعد بلدة
وجاءوا بأنفاظ عظام كثيرة
تهدم أسوار البلاد المنيعة
وشدوا عليها الحصار بقوة
شهورا وأياما بجد وعزمة
فلما تفانت خيلنا ورجالنا
ولم نر من إخوننا من إغاثة
وقلت لنا الأقوات واشتد حالنا
أحطناهمُ بالكره خوف الفضيحة
وخوفا على أبنائنا وبناتنا
من ان يؤسروا أو يقتلوا شر قتلة
على أن نكون مثل من كان قبلنا
من الدجن من أهل البلاد القديمة
ثم يقول الشاعر بأنهم أصبحوا ضحية الغدر وعدم الوفاء بالوعود والبنود التي بلغت خمسة وخمسين بندا في عقود الصلح، من أنهم سيستمرون في إقامة شعائرهم الإسلامية بكل حرية، ولكنهم عندما دخلوا تحت حكمهم نسوا تلك الوعود والعهود وتركوا المسلمين أمام خيارين لا ثالث لهما فإما التنصر أو القتل.
ثم يستغيث الشاعر بسلطان الدولة العثمانية، ويعقد آماله عليه:
فها نحن يا مولاي نشكو إليكم
فهذا الذي نلناه من شر فرقة
عسى ديننا يبقى لنا وصلاتنا
كما عاهدونا قبل نقض العزيمة
وإلا فيجلونا جميعًا عن أرضهم
بأموالنا للغرب دار الأحبة
فأنتم بحمد الله خير ملوكنا
وعزتكم تعلو على كل عزة
وثم سلام الله قلت ورحمة
عليكم مدى الأيام في كل ساعة
دعا السلطان بايزيد الثاني الصدر الأعظم والوزراء والقواد إلى مجلس اجتماع طارئ لبحث الموقف وما الذي تستطيع الدولة العثمانية تقديمه في تلك الظروف.
بحث المشاركون في المجلس الظروف التي تمر بها الدولة العثمانية آنذاك، ونوع ومدى المساعدة التي تستطيع الدولة تقديمها لمسلمي الأندلس. ولسوء حظ مسلمي الأندلس فقد كانت الدولة العثمانية تمر بظروف قاسية جدًّا، كما كان بعد المسافة، وعدم وجود طريق برّي مباشر إليها يزيد من حدة المشكلة ويعقدها.
الظروف الصعبة للدولة العثمانية
نستعرض هنا باختصار شديد الظروف الصعبة التي كانت تعيشها الدولة العثمانية آنذاك:
أورخان محمد علي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
هناك أسئلة حائرة تجول في أذهان العديد من المثقفين في العالم العربي حول التاريخ العثماني ومن أهمها سؤال: "لماذا لم تقم الدولة العثمانية بمساعدة مسلمي الأندلس عندما داهمهم الخطر الإسباني الماحق؟ ألم يكن في وسع الدولة العثمانية -وهي في أوج قوتها- الحيلولة دون وقوع تلك المأساة المروعة لمسلمي الأندلس. لنتناول هذا الموضوع بإيجاز.
من المعلوم لدى الجميع أن تفرق المسلمين في الأندلس إلى دول طوائف أضعفهم، وأن العديد من حكام هذه الدول الصغيرة بدؤوا يستعينون بالإسبان ضد الحكام الآخرين من المسلمين، وهكذا بدأت القصة الأليمة لأفول شمس الإسلام من سماء الأندلس. وبينما كان المسلمون غارقين في خضم الفرقة والشتات، خطا الإسبان خطوة مهمة في مضمار الوحدة عندما تزوّج "فرديناند" ملك أراغون من "إيزابيلا" ملكة قشتالة، وأصبح الهم الوحيد للأسبان القضاء على آخر دولة إسلامية في الأندلس وهي دولة بني الأحمر في غرناطة والتي كان يحكمها آنذاك أبو عبد الله محمد وامتدت مدة حكمه عشر سنوات (1482 – 1492م).
العثمانيون والانتصار للأندلس
والحقيقة أنه كان من المتوقع انتهاء حكم مسلمي الأندلس قبل هذا التاريخ بمئات الأعوام لولا المساعدات الخارجية التي كانت تأتيهم من الدول الإسلامية في شمالي أفريقيا. فقد قامت دولة "المرابطين" بنجدتهم ضد "ألفونصو" السادس ملك قشتالة، ثم جاءت مساعدات دولة "الموحدين" بعد ذلك وبقيت أسرة الموحدين في الأندلس حتى انتصار ألفونصو الثامن عليها في معركة "نافاس دي طولوسا".
ولكن الوضع تغير في أواخر عمر دولة بني الأحمر في غرناطة، فلم تكن هناك دول إسلامية قوية في شمالي أفريقيا، بل دول ضعيفة، وفي أحيان كثيرة دول متعاونة مع الإسبان والفرنسيين مثل دولة بني حفص في تونس والمرينيّين في المغرب. كما قام الأسبان بسد مضيق جبل طارق ليمنعوا وصول أي نجدة من مسلمي شمالي أفريقيا إلى الأندلس. فلم يبق أمام مسلمي الأندلس سوى الاستنجاد بأقوى دولتين إسلاميتين آنذاك وهما الدولة العثمانية في آسيا الصغرى، ودولة المماليك في مصر، فأرسلوا وفدا لكل منهما طلبا لنجدتهم.
الوفد الأندلسي في إسطنبول
وصل الوفد الأندلسي إلى "إسطنبول" عاصمة الدولة العثمانية التي كان على رأسها السلطان بايزيد الثاني ابن السلطان محمد الفاتح، وقام رئيس الوفد بتسليم رسالة استغاثة مؤثرة حفظها التاريخ من مسلمي الأندلس إلى السلطان، نُورِد هنا مقدّمتها:
"الحضرة العلية وصل الله سعادتها، وأعلى كلمتها، ومهّد أقطارها، وأعزّ أنصارها، وأذلّ عُداتها. حضرة مولانا وعمدة ديننا ودنيانا، السلطان الملك الناصر، ناصر الدنيا والدين، وسلطان الإسلام والمسلمين، قامع أعداء الله الكافرين، كهف الإسلام، وناصر دين نبينا محمد عليه السلام، مُحيي العدل، ومنصف المظلوم ممن ظلم، ملِك العرب والعجم، والترك والديلم، ظل الله في أرضه، القائم بسنته وفرضه، ملك البرّين، وسلطان البحرين، حامي الذِّمار، وقامع الكفار، مولانا وعمدتنا، وكَهفنا وغيثنا، لا زال ملكه موفور الأنصار، مقرونا بالانتصار، مخلّد المآثر والآثار، مشهور المعالي والفخار، مستأثّرا من الحسنات بما يضاعف الأجر الجزيل، في الدار الآخرة والثناء الجميل، والنصر في هذه الدار، ولا برحت عزماته العليّة مختصة بفضائل الجهاد، ومجردة على أعداء الدين من بأسها، ما يروي صدور السفح والصفاح، وألسنة السلاح بَاذلة نفائس الذخائر في المواطن التي تألف فيها الأخاير مفارقة الأرواح للأجساد، سالكة سبيل الفائزين برضا الله وطاعته يوم يقوم الأشهاد".
وكان هناك مع هذه الرسالة أبيات طويلة من شعر مؤثر للشاعر أبي البقاء صالح بن شريف يصف مأساة المسلمين في الأندلس وغدر الأعداء بهم:
سلام عليكم من عبيد تخلّفوا
بأَندلسٍ بالغرب في أرض غربة
أحاط بهم بحرٌ من الردم زاخر
وبحر عميق ذو ظلام ولجة
سلام عليكم من عبيد أصابهم
مصاب عظيم يا لها من مصيبة
سلام عليكم من شيوخ تمزّقت
شيوخهمُ بالنتف من بعد عزة
سلام عليكم من وجوهٍ تكشفت
على جملة الأعلاج من بعد سُترة
سلام عليكم من بنات عواتِق
يسوقهم اللبّاط قَهرا لخلوة
سلام عليكم من عجائز أُكرهت
على أكل خنـزير ولحم جيفة
وبعد هذه المقدمة المؤثرة تشرح القصيدة غدر الأعداء الإسبان وكيف يقومون بتنصير المسلمين قهرا وجبرا وكيف أن المسلمين جاهدوا ولكنهم قلة أمام جموع الأعداء:
غُدرنا ونُصِّرنا وبُدّل ديننا
ظُلمنا وعوملنا بكل قبيحة
وكنا على دين النبي محمد
نقاتل عمال الصليب بنية
ونلقى أمورًا في الجهاد عظيمة
بقتل وأسر ثم جوع وقلة
فجاءت علينا الروم من كل جانب
بجد وعزم من خيول وعدة
فكنا بطول الدهر نلقى جموعهم
فنقتل فيها فرقة بعد فرقة
وفرسانها تزداد في كل ساعة
وفرساننا في حال نقص وقلة
فلما ضعفنا خيموا في بلادنا
ومالوا علينا بلدة بعد بلدة
وجاءوا بأنفاظ عظام كثيرة
تهدم أسوار البلاد المنيعة
وشدوا عليها الحصار بقوة
شهورا وأياما بجد وعزمة
فلما تفانت خيلنا ورجالنا
ولم نر من إخوننا من إغاثة
وقلت لنا الأقوات واشتد حالنا
أحطناهمُ بالكره خوف الفضيحة
وخوفا على أبنائنا وبناتنا
من ان يؤسروا أو يقتلوا شر قتلة
على أن نكون مثل من كان قبلنا
من الدجن من أهل البلاد القديمة
ثم يقول الشاعر بأنهم أصبحوا ضحية الغدر وعدم الوفاء بالوعود والبنود التي بلغت خمسة وخمسين بندا في عقود الصلح، من أنهم سيستمرون في إقامة شعائرهم الإسلامية بكل حرية، ولكنهم عندما دخلوا تحت حكمهم نسوا تلك الوعود والعهود وتركوا المسلمين أمام خيارين لا ثالث لهما فإما التنصر أو القتل.
ثم يستغيث الشاعر بسلطان الدولة العثمانية، ويعقد آماله عليه:
فها نحن يا مولاي نشكو إليكم
فهذا الذي نلناه من شر فرقة
عسى ديننا يبقى لنا وصلاتنا
كما عاهدونا قبل نقض العزيمة
وإلا فيجلونا جميعًا عن أرضهم
بأموالنا للغرب دار الأحبة
فأنتم بحمد الله خير ملوكنا
وعزتكم تعلو على كل عزة
وثم سلام الله قلت ورحمة
عليكم مدى الأيام في كل ساعة
دعا السلطان بايزيد الثاني الصدر الأعظم والوزراء والقواد إلى مجلس اجتماع طارئ لبحث الموقف وما الذي تستطيع الدولة العثمانية تقديمه في تلك الظروف.
بحث المشاركون في المجلس الظروف التي تمر بها الدولة العثمانية آنذاك، ونوع ومدى المساعدة التي تستطيع الدولة تقديمها لمسلمي الأندلس. ولسوء حظ مسلمي الأندلس فقد كانت الدولة العثمانية تمر بظروف قاسية جدًّا، كما كان بعد المسافة، وعدم وجود طريق برّي مباشر إليها يزيد من حدة المشكلة ويعقدها.
الظروف الصعبة للدولة العثمانية
نستعرض هنا باختصار شديد الظروف الصعبة التي كانت تعيشها الدولة العثمانية آنذاك: